تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تفتت الحيازات… خطر يهدد التنمية الزراعية

مصدر الصورة
تشرين

المهندس عبد الرحمن قرنفلة:

تشكل الأرض عامل الإنتاج الأساس في العملية الإنتاجية الزراعية، وتؤكد مبادئ الاقتصاد الزراعي أن المستوى العائد من الاستثمار الزراعي الحديث يتناسب طرداً مع توسع المساحة المستثمرة، نظراً لأن هذا الاستثمار مبني على تكثيف استخدام التكنولوجيا مرتفعة التكلفة بالأعمال الزراعية / الزراعة الرقمية التي تسخر الطائرات بلا طيار وأجهزة الاستشعار والروبوتات الميدانية في تنفيذ وقيادة عمليات الإنتاج الزراعي والزراعة الذكية التي تعزز ابتكار نماذج إبداعية تخفف من إفقار التربة، واستهلاك الطاقة، والموارد الطبيعية، وتحسن سلاسل التوريد والتوزيع الغذائي، مع تلبية حاجات السكان من المنتجات الزراعية / التي تساهم في زيادة الإنتاج من وحدة المساحة مع خفض تكاليف الإنتاج بشكل كبير، وهذا النوع من التكنولوجيا ليس من المجدي اقتصادياً استخدامه في الحيازات الزراعية الصغيرة.
مع اقتراب عدد سكان العالم من 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050، سيزداد الطلب على الغذاء بشكل متصاعد، وهذا يقتضي تحقيق تحسينات مستمرة في الإنتاجية الزراعية، وخلال العقود الماضية كان الاعتقاد السائد هو أن الزراعة العائلية ذات الحيازات الصغيرة هي أكثر إنتاجية وكفاءة في امداد السوق بالمنتجات الزراعية من الزراعة ذات الحيازات الكبيرة، إلا أن الواقع يشير الآن إلى ميزات المزارع الكبيرة في حشد استثمارات كبيرة، وتقنيات مبتكرة، وتوظيف الزراعة الرقمية والزراعة الذكية في عمليات الإنتاج المختلفة، وكذلك إمكاناتها التصديرية الهائلة، حيث إن التطور التقني الذي شهدته الزراعة في العقود القريبة الماضية انتقل بالزراعة من الزراعة التقليدية المعتمدة على جهد الانسان أولاً وعلى الآلة التقليدية ثانياً، إضافة إلى بقية عوامل الإنتاج، إلى الزراعة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في تنفيذ الكثير من الأعمال الزراعية، بهدف تعظيم إنتاجية الأرض وخفض تكاليف الإنتاج، وقد أدى انتشار هذا النوع من الزراعة في الدول المتقدمة إلى رفع مردود وحدة المساحة بشكل كبير مقارنة مع الزراعة التقليدية، حيث ارتفع متوسط انتاج الهكتار من القمح من /1.9/ طن بالزراعة التقليدية إلى حوالي /8.9/ أطنان بالزراعة الحديثة والذرة من /3/ إلى /12/ طناً بالهكتار وتطور إنتاج الشعير من /0.4/ طن إلى /9.1/ أطنان، كما ارتفع إنتاج التفاح من /8/ أطنان إلى /44 /طناً بالهكتار وارتفع متوسط إنتاج البقرة من الحليب من /3/ أطنان بالموسم إلى /10/ أطنان، ولقد تحققت هذه الزيادات الإنتاجية الكبيرة في إنتاج المحاصيل في الدول المتقدمة نتيجة توظيف التكنولوجيا المتقدمة بالعمل الزراعي، حيث يقول أحد المحللين الاقتصاديين الأجانب في تفسيره الزيادات الحاصلة (السبب الرئيس يرجع إلى التقدم التكنولوجي والاكتشافات العلمية الجديدة التي أمكن تطبيقها في الزراعة، هذه التكنولوجيا الحديثة أدت إلى نشوء وتطور نظام إنتاجي على درجة عالية من التخصص والتكثيف الإنتاجي وهذا النظام هو ثمرة للتقدم التكنولوجي).
روبوت يعمل بالطاقة الشمسية 
وهناك حاجة لتكنولوجيات جديدة لمواجهة مشكلة ندرة المياه وتخفيض خسائر ما بعد الحصاد، ونظراً لاستمرار تقلص الموارد الطبيعية ستكون هناك حاجة إلى زيادة كفاءة استخدام مستلزمات الإنتاج الزراعي و ينبغي توفير الدعم و الأموال وبناء المنشآت والمخابر وتأمين الأدوات ووسائط النقل، وتأهيل الكوادر البشرية وهذا لا يمكن تحقيقه من خلال المزارع الصغيرة أو مزارع إنتاج الكفاف .
المحاصيل الحقلية 
ورغم ارتفاع إجمالي مساحة الأراضي الزراعية في البلاد، فإن متوسط الحيازة قد شهد اتجاهاً نحو الانخفاض، والسبب الرئيس لتفتت الحيازات الزراعية للأراضي القابلة للزراعة هو تطبيق قوانين الإرث وقوانين الإصلاح الزراعي، حيث تراوحت الحيازات بين (2 هكتار في اللاذقية و28 هكتاراً في الرقة). وتحت هذه المساحات الصغيرة من الحيازة يتعذر تطبيق أي من وسائل التكنولوجيا الحديثة بما في ذلك استخدام الآلات والري الحديث، والأصناف النباتية والحيوانية المحسنة، ورعاية أفضل للمحاصيل قبل وبعد حصادها، وهي (مسؤولة عن 90% من الزيادات الإنتاجية) ويتعذر إحداث نقلات نوعية في الإنتاجية الزراعية. وتشير مقارنة الإحصائيات الزراعية إلى زيادة ملحوظة بنسبة 26% في إجمالي عدد الحائزين الذي ارتفع من /485501/ عام 1981 إلى /613657/ عام 1994 كما حدثت زيادة بنسبة 6.7% في إجمالي عدد الحائزين الذي ارتفع من /613657/ عام 1994 إلى /660371/ عام 2004، أي إن هناك تفتتاً للحيازة الزراعية وإذا ما بقي الأمر على ما هو عليه تصبح الحيازات الزراعية غير قادرة على تلبية الحاجات الأساسية للأسرة الواحدة، كما أشارت نتائج الإحصائيات عن توزع الحائزين بين مهنة مزارع وغير مزارع إلى أن نسبة الحائزين الزراعيين كانت 90% عام 1970، وتبدلت عام 1981 لتصبح نسبة المزارعين الحائزين 92% بزيادة 2% عن عام 1970 أما في عام 1994 فقد تراجعت نسبة الحائزين المزارعين إلى 84% ثم انخفضت ثانية عام 2004 إلى نسبة 66% فقط.
وإضافة إلى تفتت الحيازات الزراعية فقد انخفض نصيب المواطن السوري من الأراضي القابلة للزراعة من /1.3/ هكتار عام 1961 إلى أقل من /0.24/ هكتار عام 2016 وجميعها عوامل محبطة للتنمية الزراعية المستدامة والقادرة على تلبية حاجة السكان المتزايدة من الغذاء، حيث إن ظاهرة تفتت الحيازات الزراعية تشكل إحدى العقبات أمام سياسة التنمية الريفية المستديمة بصفة عامة وسياسات وبرامج تطوير الزراعة بصفة خاصة‏، وذلك نظراً لما تسهم به في عدم الاستغلال الأمثل للأراضي الزراعية،‏ حيث نتجت عن ظاهرة تفتت الحيازة الزراعية مجموعة من الآثار السلبية التي تمثلت بوجود هدر كبير في مساحة الأرض المزروعة، وذلك نتيجة كثرة الحدود والفواصل والمصارف والطرقات‏، إضافة إلى تغير استخدامات الأراضي الزراعية وصعوبة استخدام الوسائل المتطورة والحديثة في الزراعة‏، إلى جانب صعوبة تسويق المنتجات الزراعية حيث تحقق ربحاً للمزارع‏، وارتفاع تكاليف الإنتاج وضعف مساهمة الحيازات الصغيرة في الصادرات الزراعية‏، فضلا عن وجود هدر كبير في المياه نتيجة تعدد فتحات الري،‏ ولعل استمرار تفتت الحيازات الزراعية سيؤدي إلى ضعف مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي على المدى الطويل وازدياد اتساع الفجوة الغذائية.‏
هذا الواقع يؤكد الحاجة لإصلاح زراعي جديد في سورية، واستصدار قوانين تعمل على تجميع الحيازات الزراعية في كل منطقة عقارية على هيئة شركات زراعية محدودة المسؤولية أو أي شكل قانوني مناسب وتطوير الدور الذي تقوم به التعاونيات الزراعية في مجال تجميع الحيازات الزراعية وتغيير نظرة الدولة والمجتمع تجاهها ومحاولة إعادة الثقة المفقودة لبعض تلك الجمعيات، وتفعيل مشاركة التعاونيات في رسم السياسات الزراعية‏، وتحديد التركيب المحصولي والعمل على توعية المزارعين بأهمية الحركة التعاونية‏، والعمل على تقديم الحوافز للمزارعين للانضمام إلى الجمعية الزراعية بصورة اختيارية‏،‏ إضافة إلى تشجيع التعاون بين الجمعيات التعاونية ومنظمات المجتمع المدني‏.‏ وتحديد الحد الأدنى لحجم المزرعة وفقا لطبيعة الأراضي ونوعية الزراعات التي تصلح لها، وكذلك وضع حقوق واضحة لحيازة الأراضي وهياكل تتسم بالكفاءة للملكية والإدارة وإقامة فئة من المزارع التجارية كبيرة ومتوسطة الحجم، وهي النتيجة المنطقية للسياسات الأكثر شمولاً (في العالم يتم إنتاج نسبة 74% من الدواجن، و43% من لحم الأبقار، و68% من البيض بوساطة الشركات الكبيرة ومتوسطة الحجم). ويشمل ذلك تدابير لنقل ملكية الأراضي وغير ذلك من الأصول الإنتاجية إلى الشركات والأفراد واتخاذ تدابير لتيسير قيام سوق تعمل بصورة جيدة لبيع الأراضي وتأجيرها وإيجاد بيئة للسياسات تسمح للمزارع بالتكيف مع أوضاع السوق ولا تعزز الهياكل القديمة غير القادرة على المنافسة، ولا بد من إعادة النظر في قانون العلاقات الزراعية بما يخدم في تحقيق الغايات المطروحة، علماً أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص قد تضمنت زيادة تمويل التطورات التكنولوجية الزراعية المطلوبة. وهذا لا يعني القضاء على المزارع الصغيرة نهائياً، حيث إن المزارع ذات الحيازات الصغيرة والكبيرة يمكن أن تتعايش لأن لهما ميزات نسبية مختلفة وذلك حسب وفرة الأراضي والأيدي العاملة، وأداء المؤسسات وحقوق الملكية وفجوات الغلال وأنواع المحاصيل.
الحيازات الزراعية 
في هذا النهج لإدارة المزرعة، يتمثل أحد المكونات الرئيسة في استخدام تكنولوجيا المعلومات وعناصر مختلفة مثل أجهزة الاستشعار وأنظمة التحكم والروبوتات والمركبات ذاتية التشغيل وفي الزراعة الذكية القائمة على إنترنت الأشياء، تم بناء نظام لرصد حقول المحاصيل بمساعدة أجهزة الاستشعار (الضوء, الرطوبة ,درجة الحرارة ,رطوبة التربة، إلخ) يمكن للمزارعين مراقبة الظروف الميدانية من أي مكان حيث تتسم الزراعة الذكية القائمة على إنترنت الأشياء بفعالية عالية عند مقارنتها بالزراعة التقليدية التي تعتمد على وسائل بسيطة. وتوفر تقنية فحص رطوبة التربة دعماً زراعياً محلياً كاملاً خلال الموسم، وتوصيات لتحسين كفاءة استخدام المياه.
لا تستهدف تطبيقات الزراعة الذكية القائمة على إنترنت الأشياء عمليات الزراعة الكبيرة فحسب بل يمكن أن تكون أذرعاً جديدة لرفع الاتجاهات الأخرى المتنامية أو الشائعة في الزراعة مثل الزراعة العضوية. وفيما يتعلق بالقضايا البيئية، يمكن أن توفر الزراعة الذكية، ميزات عظيمة بما في ذلك استخدام المياه بشكل أكثر كفاءة، أو تحسين المدخلات والعلاجات.

مصدر الخبر
تشرين

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.