تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أردوغان ونتنياهو والرقص على الحبال الروسية الأمريكية..

مصدر الصورة
وكالات

بـديـع عفيـف

بعد دعمها العسكري والسياسي لسورية، ازدادت أهمية دور روسيا في المنطقة والعالم؛ بل يمكن القول إنّ الحرب على سورية كانت نقطة التحول في السياسات والعلاقات الدولية لجهة عودة روسيا ــ بالتنسيق مع الصين ــ إلى المسرح الدولي وبقوة، معلنة أفول الأحادية القطبية الأمريكية التي ميّزت العقدين الماضيين. هذه العودة الروسية، ومعها بزوغ الصين كقوة اقتصادية منافسة للولايات المتحدة، جعلت القادة الدوليين يشعرون أنّ هناك بديلاً للهيمنة الأمريكية المتغطرسة وأنّ بعض التوازن قد عاد للعلاقات الدولية، فأعادت دول عديدة النظر بسياساتها الإقليمية والدولية، وبدا ذلك أكثر وضوحاً في الشرخ الذي أصاب العلاقات الأوروبية ــ الأوروبية، والأوروبية ــ الأمريكية لجهة تناقض المصالح وتعارضها.

ولقد وجدت بعض الدول والأطراف الإقليمية في التوازن الدولي الجديد، مناخاً مناسباً للقفز واللعب بين الأقطاب/القوى الجديدة المهيمنة بحكم الأمر الواقع؛ الولايات المتحدة، روسيا، والصين. ونتابع هنا حالتين؛ تركيا والكيان الإسرائيلي.

تُصنف تركيا تقليدياً كدولة أطلسية، وهي فعلياً ما تزال عضواً في الحلف الأطلسي الغربي. ولكن الغرب يتعامل معها على أساس مصلحي آني انتهازي رغم مرور سنوات طوال على العلاقة بين الطرفين؛ فلا الاتحاد الأوروبي قبل عضوية تركيا بين دوله، فيما هو توسّعَ شرقاً وضمّ دولاً كانت ضمن الحلف السابق المعادي (وارسو)؛ ولا الولايات المتحدة تجلّ كثيراً علاقاتها بتركيا أو تعطيها أولوية. والواقع، فإن العلاقات التركية الغربية فيها من التناقض والتباعد أكثر مما فيها من التعاون والمصالح المشتركة. ولذلك، عندما تقدّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نحو أنقرة ومدّ يد التعاون وشجّع على بناء المصالح المشتركة، بعكس كل التاريخ السابق بين البلدين، لم يستطع الرئيس التركي "المتقلب"، رجب طيب أردوغان إلا أن يستجيب. وبدأت منذ سنوات تتطور وتنمو علاقات البلدين باستمرار، وهي بلغت مرحلة متقدّمة لابأس بها.

وبالطبع، فإن أنقرة ما زالت تحاول الحفاظ على علاقاتها مع الغرب، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن الثقة الغربية بتركيا وبرئيسها اهتزت بشكل واسع وهي مهزوزة أصلاً. أضف أنّ سيل المشاكل والتحديات في العلاقات التركية الغربية يكاد لا يترك للود/التعاون مكاناً، فيما موسكو تحيط أنقرة بأكثر مما تريد من الدعم وتأمين المصالح... الخ. ولذلك بدأنا نرى انزياحاً تركياً مستمراً ومتزايداً نحو الروس، ولكن "مع" محاولة "تجنّب" الاصطدام مع الغرب، أو قطع شعرة معاوية معه، ولاسيما مع الولايات المتحدة ورئيسها الخطير دونالد ترامب. وربما تضطر تركيا قريباً للاختيار بين علاقاتها مع روسيا أو ارتباطاتها مع الغرب، وهنا ستبدأ مرحلة فاصلة في العلاقات الدولية بسبب حجم تركيا وتأثير ذلك التحول على سياستها الخارجية واقتصادها المتراجع ومكانة الرئيس أردوغان نفسه، وهو الذي اهتزت صورته، وبدأ وحزبه الإخواني يشهدان تراجعاً ملحوظاً في الداخل التركي وفي المحيط الإقليمي أيضاً.

ليس الحال هكذا بالنسبة للكيان الإسرائيلي؛ فقد أجمعت التحليلات والتعليقات في الفترة الماضية على أنّ رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حصل على دعم الرئيسين الروسي والأمريكي في الانتخابات التي جرت مؤخراً في الكيان وفاز فيها اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو بفارق بسيط جداً؛ الرئيس ترامب ولأسباب عديدة قدّم الدعم لنتنياهو، ليس لشخصه، فحسب وإنما لكيانه، لأن له مصلحة شخصية في ذلك؛ ترامب بدأ التحضير للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة وهو يحتاج دعم اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وهو شخص لا يأبه كثيرا للقوانين والمعاهدات الدولية وليست لديه مشكلة في تجاوزها وكسرها، وهذا ما فعله بشأن الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة في القدس والجولان السوري، وهو بذلك وهب مما لا يملك وبالتالي لم يخسر شيئاً، بل كسب التأييد اليهودي الكبير. وكثيرون في الشرق والغرب ينظرون إلى الكيان الإسرائيلي كولاية أمريكية أخرى تقبع في الشرق الأوسط، وهذا مردّه للمعاملة الخاصة التي يحظى بها الكيان المحتل من قبل ساسة واشنطن.

أما بالنسبة للرئيس الروسي، فإنه يكرر تقريباً في تعامله مع الكيان الإسرائيلي، ما فعله بعد إسقاط تركيا للطائرة الحربية الروسية في شمال سورية عام 2015؛ بوتين ينفّذ سياسة "انفتاحية" في المنطقة والعالم، تقوم على المصالح والتعاون وكسب الأصدقاء، ولذلك لا يجد ضيراً في تطبيق هذه السياسة تجاه الكيان الإسرائيلي. وقد وجد الرئيس الروسي في إسقاط طائرة "إيل 20" الروسية فوق اللاذقية في أيلول الماضي بفعل العدوان الذي قامت به القوات الجوية الإسرائيلية مناسبة لمعاقبة الكيان الإسرائيلي، وبنفس الوقت، فرصة لبدء صفحة جديدة معه. أضف أنّ بوتين، وكما ترامب، يحاول استثمار اليهود في مكانين؛ اليهود الروس في الكيان الإسرائيلي، واليهود الروس ومن غير الروس ممن يعيشون في روسيا، لأسباب اقتصادية وسياسية أيضاً. وبالمحصلة، فإن علاقات الكيان الإسرائيلي مع كل من روسيا والولايات المتحدة أعمق وأشد ترابطاً من نظيرتها التركية.

أما بالنسبة لعلاقات تركيا مع الصين فهي ليست على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة لأنقرة كما علاقاتها مع موسكو والعواصم الغربية، فيما أشعلت الولايات المتحدة الضوء الأحمر بوجه نتنياهو والكيان الإسرائيلي لوقف/ للحد من التعامل والتعاون الاقتصادي والأمني والسياسي مع الصين حتى لا ينعكس ذلك سلباً على المصالح الأمريكية في المنطقة. لكن الأهم أنّ الكيان الإسرائيلي يواجه مشاكل لا تواجهها تركيا، وأخطرها أنه كيان غير شرعي قائم على الاحتلال والعدوان والتوسع، وهو يدرك بهذا أنّ مصيره الزوال، بغض النظر عن موازين القوة والعلاقات الدولية الحالية. كذلك يدرك قادة الكيان العسكريون والسياسيون والمستوطنون أيضاً، أنّ الصواريخ المدمّرة تحيط بهم من كل جانب، وأنّ تصنيع وامتلاك هذه الأسلحة التدميرية لم يعد حكراً على دول بعينها، وأنّ مساحة الكيان الجغرافية وتموضعه الديمغرافي لا يمنحانه عمقاً دفاعياً كبيراً للحفاظ على أمنه ومستقبله، وأنه مهما بلغت علاقات هذا الكيان مع الغرب والشرق فإن ذلك لا يغيّر من هذا الواقع الخطير شيئاً..؟!!

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية - خاص

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.