تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

للمرة الأولى “وهم الإصلاح” إلى العلن..! حقائق اقتصادية تبيّن ما كان متّبعاً من مفاهيم وحسابات غير منظّمة.. وفي صناعتنا وزراعتنا عبرة مريرة..!!

مصدر الصورة
البعث

لم يكن “وهم الإصلاح” مجرّد اتهام وتجنٍّ على إداراتنا الاقتصادية ذات البعد “النيو ليبرالي” بل هو حقيقة تكشفت للمرة الأولى عندما تم الإفصاح عن ملابسات توجّهاتنا الاقتصادية خلال عقد ما قبل الأزمة، وتمثل ذلك بجملة من المعطيات والمؤشرات خلصت إليها دراسة أعدّها كل من الباحثين الدكتور زكي محشي والدكتور نبيل مرزوق حول “العمل غير المنظّم في سورية” لما قبل الأزمة وخلالها، ولعل المناقشات التي أثيرت في جمعية العلوم الاقتصادية مؤخراً تجاه هذا الموضوع أظهرت مدى اتساع هذا الوهم والخشية من امتداده إلى عقود أخرى..!.

من.. إلى..!؟

ففي الصناعات التحويلية -على سبيل المثال- التي كانت تعتبر “مفخرة” الصناعات السورية، تبيّن سيطرة وهم الإصلاح عليها في العقد الأول من الألفية الثالثة، إذ تظهر دراسات المركز السوري عن العمل غير المنظم في سورية، أن معدّل النمو في الصناعة التحويلية والمتوسط السنوي -والمستند إلى البيانات الرسمية- الذي بلغ 15% لم يكن حقيقياً، لأنه كان مبنيّاً أساساً على قياسات وتقديرات خاطئة، إذ كانت هذه الصناعة بمجملها تؤخذ بالأسعار الثابتة على أساس مكمِّش القطاع العام، وهذا الأمر خاطئ لأن أسعار المنتجات الصناعية في القطاع العام لا تتغيّر بشكل كبير مثل تغيّر الأسعار في القطاع الخاص…!. وفي هذا السياق يوضح محشي أن تلك الحسابات أثرت بشكل كبير في تضخيم الناتج الصناعي ضمن الناتج المحلي الإجمالي، مؤكداً أن هذا التضخيم رقمي فقط نتيجة استخدام قياسات وصفها بغير الدقيقة.

وبيّن أنه وحين تمت إعادة استخدام مُكمِّش القطاع الخاص للإنتاج الصناعي في القطاع الخاص، ومُكمِّش القطاع العام للإنتاج الصناعي في القطاع العام، تم التوصل إلى نتيجة مختلفة، إذ انخفض وسطي معدّل النمو للصناعات التحويلية للعشر سنوات قبل الأزمة من 15% إلى 3%، وبالتالي هذا يندرج في إطار ضعف إنتاجية الاقتصاد ووهم الإصلاح الذي كان يروّج له في تلك الفترة بعكس الحقيقة التي كان عليها.

غير معروف.. المعروف..!

لم يكن لدى الدكتور مرزوق إجابة حول سؤال زميله الدكتور كمال شرف: من المسؤول عن هذا الوهم..؟ مكتفياً بالقول إن ذلك يعود إلى فهم ومفهوم “معيّن” لآلية العمل..!؟.

وهنا كشف محشي عن أن إجمالي النمو الاقتصادي الذي بلغ متوسطه نحو 4.55% بين 2001 و2010 -اعتماداً على أرقام رسمية- ينخفض بعد التعديل بالصناعة التحويلية إلى 4.2%، وبالتالي هناك جزء كبير مهم يعتمد على استخدام تقديرات ومنهجيات غير دقيقة بإعادة الحساب. وهذا دفع د.شرف إلى التساؤل: إلى أيّ حدّ كنا سنغرق بالوهم في حال اتخذنا السبيل للولوج إلى عوالم المدن التقنية “التكنو بولس”..؟

وما يقال في “التحويلية” يقال في القطاع الزراعي، حيث خرجت مناطق شاسعة من الأراضي البعلية، لتخرج معها قوة عمل كبيرة تصل إلى 700 ألف عامل من هذا القطاع، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً على ما كان يجب أن نعمل عليه من ثورة زراعية، لكن الذي تم عكس ذلك والدليل تراجع مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي، تراجع يقتضي السرعة بتصحيحه، وبما تتطلبه المرحلة، انطلاقاً من العبرة التي أوصلنا إليها نيو لبراليو اقتصادنا.

اقتصادات جديدة..

وقد أشارت الدراسات المنجزة عن مركز السياسات إلى أن الأزمة في سورية قد أدّت إلى ظهور عدد كبير من الأنشطة الاقتصادية الجديدة ذات الطبيعة الاقتصادية المدنية فرضتها ظروف الأزمة، مثل بعض الصناعات الغذائية وصناعة الملابس في ورشات صغيرة، والباعة المتجولين والبسطات، كما ظهرت نشاطات مرتبطة مباشرة باقتصادات العنف مثل السرقة وبيع المسروقات وتكرير النفط بشكل غير نظامي، وبيع الكهرباء والتهريب وبيع المخدرات وتجارة الأسلحة، إذ بيّنت الدراسات أن نسبة المنخرطين في الأعمال غير القانونية نتيجة الأزمة بلغت 17% من السكان الناشطين اقتصادياً على مستوى سورية، وهي نسبة مرتفعة تعكس مدى انتشار اقتصادات العنف المرتبطة والناتجة بشكل مباشر عن الأزمة.

كما ازداد عدد المناطق التي يعاني فيها المشتغلون من ظروف عمل غير مناسبة بالنسبة لعدد ساعات العمل، حيث تراجعت نسبة المناطق التي كانت تشهد وسطياً عدداً مناسباً من ساعات العمل من 70% قبل الأزمة إلى 22% أثناءها.

مؤشرات مقلقة جداً..

وقد بلغ إجمالي المشتغلين عام 2010 حسب مسح قوة العمل وحسابات المركز السوري لبحوث السياسات 5.1 ملايين مشتغل نسبة غير المنظم منهم 65.6% والمنظم 34.4%، وقد تركز العمل غير المنظم بشكل أساسي في حلب وإدلب 76%، والرقة 74%، وحماة 70%، وريف دمشق 62%، أما حسب الأنشطة الاقتصادية فقد تركز العمل غير المنظم بالدرجة الأولى في مجال التجارة والمطاعم والفنادق ثم في البناء والتشييد فالزراعة ثم الصناعة. أما بالنسبة لحالة الفقر الشديد فقد بلغت نسبة الفقر الأدنى (الشديد) في العمل غير المنظم 37.6% وفي خط الفقر الأعلى (الفقر العام) 56.5%.

ارتفاعات وانخفاضات..

وفيما يتعلق بالخسائر الاقتصادية منذ بداية النزاع حتى نهاية عام 2015، قدّرتها الدراسة التي قدّمها الباحثان، بنحو 255 مليار دولار، كما قدّرت معدل الفقر العام بنحو 85.2% كما بات نحو 35% من السكان يعيشون في فقر مدقع، ولم يبقِ الصراع والركود الاقتصادي سوى فرص عمل قليلة متاحة للأفراد بما في ذلك الفرص التي يوفرها القطاع العام، كما تراجع عدد المشتغلين من 5.175 ملايين مشتغل في عام 2011 إلى 2.636 مليون مشتغل في عام 2015، وارتفع عدد العاطلين عن العمل من 905 آلاف مشتغل في عام 2011 إلى 2.923 مليون في عام 2015 وبذلك ارتفع معدّل البطالة من 14.9% في عام 2011 إلى 52.6% في عام 2015، كما انخفضت نسبة المناطق التي توفر فرص عديدة للعمل من 65% قبل الأزمة إلى نحو 12% في أثنائها، وفي المقابل ارتفعت نسبة المناطق التي لا توفر فرصاً للعمل على الإطلاق أثناء الأزمة إلى 24% بعدما كانت هذه النسبة تقارب الصفر في فترة ما قبل الأزمة.

العمل اللائق.. بأربعة..

وخلصت دراسة الباحثان إلى تحديد ملامح استراتيجية للعمل اللائق التي تقوم على أربعة محاور، أولها المؤسسات التضمينية والمساءلة التي تتطلب استراتيجية تنموية متكاملة تستهدف الرفاه الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وتوسيع الخيارات أمام الجميع، وثانيها النمو التضميني مع عمل منتج ولائق يعتبر رأس المال البشري من مصادر النمو ما يجعل من العمل اللائق أولوية في استراتيجية النموّ وليس ترفاً في ظل النزاع، بينما يركز ثالثها على العدالة الاجتماعية وتفكيك مقوّمات الحرمان عبر توفير التمكين للجميع وتوفير بيئة عمل مناسبة تجعل من المشاركة واقعاً، إضافة إلى تأمين الحماية الإنسانية للجميع، ورابعاً وأخيراً ضرورة وجود سياسات وبرامج لمواجهة تفاعلات النزاع لتفكيك حوافز العنف وتفعيل دور المجتمع في تجاوز آثار الأزمة من دمار ونهب واستغلال واحتكار باتجاه تنمية تضمينية وعدالة للجميع من خلال حوار مجتمعي ومؤسساتي.

قسيم دحدل

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.