تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الدور التركي لزعزعة استقرار روسيا الاتحادية..!!

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية

أظهر إسقاط تركيا للقاذفة الروسية في الأجواء السورية الشهر الماضي عداء أنقرة التاريخي لروسيا الاتحادية، ومشاركتها الفعالة في صناعة المنظمات الإرهابية ودعم الحركات الانفصالية في آسيا الوسطى وسورية والعراق.

ففي الفترة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي كانت الإدارة الروسية ترى مصلحتها في تعزيز علاقاتها مع تركيا ـالدولة العلمانية الديمقراطيةـ بدلاً من ايران "الدولة ذات النزعة الإسلامية الأصولية"، إلا أن موقف كل من الدولتين (تركيا وإيران) تجاه الأحداث التي شهدتها منطقة القوقاز (ناغورني ـ كاراباخ ـ أبخازيا ـ الشيشان)، دفع القيادة الروسية إلى الاعتقاد بأن تركيا وليست إيران هي التي تشكل الخطر الحقيقي الذي يهدد المصالح الروسية في منطقتي القوقاز وبحر قزوين، ذلك لأن إيران تقيم علاقاتها بعيدة كل البعد عن التعصب والتطرف الديني والقومي مع أذربيجان وأرمينيا وجورجيا، ومع روسيا نفسها.. زد على ذلك أن إيران ليست عضواً في حلف "الناتو" الذي يسعى إلى التوسع شرقاً مما يثير قلق القيادة الروسية، بينما تعد تركيا العضو الشرقي الوحيد في هذا الحلف، والأكثر تهديداً للأمن والاستقرار في المنطقة، وقد تجلى هذا العداء بوضوح خلال الحرب الشيشانية الأخيرة.

  لقد دعمت تركيا ولا تزال تدعم الحركة الانفصالية الشيشانية في الشيشان وتؤازر حكومة أذربيجان في مساعيها الرامية إلى تحجيم النفوذ الروسي السياسي والاقتصادي والعسكري في مناطق شمال القوقاز. كما أنها تلوّح بـ "المشروع الطوراني" الذي من شأنه أن يعزز نفوذها ومكانتها ليس في شمال القوقاز فقط، بل في آسيا الوسطى. وفي مطلع التسعينيات من القرن المنصرم، سارعت تركيا إلى الاعتراف بالجمهوريات السوفيتية في آسيا الوسطى، وافتتاح سفارات ومقرات البعثات الدبلوماسية التركية فيها.. وتسابق رؤساء هذه الجمهوريات وكبار المسؤولين فيها لزيارة أنقرة.. حيث أطلقوا العبارات الرنانة في مديح تركيا ووصفوها "بالأخ الأكبر"؛  "أبو الأتراك"؛ "الكوكب الهادي"؛ "والأرض المقدسة للأتراك كافة"؛ و"مركز العالم التركي"... إلخ. وأطلقت الدعوات لإقامة السوق التركية المشتركة ذات العلم الواحد والأبجدية الواحدة والعملة الواحدة والمقاييس الواحدة.

وإلى جانب العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، تبذل تركيا جهودها لتطوير العلاقات العلمية والثقافية مع تلك الجمهوريات ذات الأصول التركية. وفي كانون الثاني عام 1992 شكلت الحكومة التركية إدارة جديدة في وزارة الداخلية أطلق عليها اسم "وكالة التعاون والتنمية التركية"، التي اختزلت تسميتها فأصبحت تدعى "تيكا" (TIKA) وأهم وظائفها:

"تقديم المساعدات الشاملة إلى البلدان المجاورة (الشقيقة) في مجالات التنمية والتحديث والتعليم والثقافة والفن والاقتصاد والمال.. وكذلك إعداد مشاريع القوانين الخاصة بقضايا التعاون مع تلك البلدان التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي وإعداد الكوادر اللازمة للعمل في هذا المضمار".

        وفي الأحداث الشيشانية أيد الأتراك حكم جوهر دودايف، وشكّل العديد من الأتراك لجان للتضامن مع الشيشان وجمع التبرعات والأموال الطائلة لدعم حركته الإنفصالية. وكانت اللهجة العامة في الصحافة التركية تركز على مقولة: "أن الروس غرباء في الشيشان والشعب الشيشاني يكرههم ولا يطيق وجودهم فوق أراضيه". وقد جرت مظاهرات عديدة في مختلف المدن التركية رفعت شعارات "الذئاب الرمادية"، نظمتها جمعيات وروابط مؤيدة لاستقلال الشيشان، من بينها هيئة المقاومة القوقازية ـ الشيشانية. وعبّر الرئيس التركي في ذلك الوقت عن رغبة بلاده في نقل الثروات الطبيعية التي تملكها الجمهوريات "التركية" وتصديرها إلى الأسواق العالمية عبر الأراضي التركية، وأن هذا النقل له خصوصيته لأنه سوف ينقذ تلك البلدان من التبعية المحتملة  ويقصد بذلك الارتباط التاريخي لهذه البلدان مع روسيا الاتحادية، وإلحاقها بالمشروع الأمريكي الرامي إلى السيطرة على آسيا الوسطى ومحاصرة روسيا.

وهذا الدور التركي إنما كان بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت أولويات استراتيجيتها السياسية والعسكرية توسيع حلف "الناتو" شرقاً للسيطرة بشكل أو بآخر على مصادر الطاقة في العالم، وتأمين المطالب الأمنية لإسرائيل للحيلولة دون تمكين روسيا الاتحادية من استرجاع ما فقدته من عناصر القوة؛ التي من أهمها البحر الأسود وبحر قزوين ـ الجسر البري  الاستراتيجي الواصل بينهما. ولتحقيق هذا الهدف لا بد من الضغط على الخاصرة الجنوبية  لروسيا عبر تركيا، وتحت ذريعة الحرب على الإرهاب وتنظيم القاعدة في أفغانستان والتي عبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عنها بالقول، بتاريخ 15/9/2001: يجب توخي الحذر وعدم التسرع والتصرف كقطاع الطرق ويعني بذلك الإدارة الأمريكية ومعها بلدان الناتو وإسرائيل  التي تدرك حقاً أن روسيا لا يمكن لها أن تتنفس الصعداء وتستعيد مجدها الغابر إلا من خلال توفير الأمن والاستقرار في مناطق البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى لذلك عمدت عبر الأردن والسعودية وبعض دول الخليج إلى إطلاق البخار الإسلامي الضاغط الموجود على أراضيها وأوجدت منفذاً لخروج التطرف المضغوط لديها ووجهته إلى خارج حدودها لتتقي شره وتكسب احترام الجماهير الإسلامية المتعطشة للحرب في الشيشان وآسيا الوسطى وغيرها بالتعاون مع تركيا عبر تغذية الحركات الانفصالية والنزاعات العرقية.

لكن تركيا ومن ورائها الولايات المتحدة لا تريد من هذه الحركات الأصولية الإرهابية إقامة دول إسلامية في الشيشان وآسيا الوسطى، بل تريد أن يبقى النزيف مستمراً هناك.. وكان شعارها "بقاء الدب الروسي الجريح في حالة من التخبط والهيجان"، وبالتالي إرضاء تطلعات الولايات المتحدة والدول الخليجية التي تساند التطرف الإسلامي والحركات الانفصالية في القوقاز في السيطرة على مصادر الطاقة العالمية وتوسيع حلف "الناتو" وخلق المبررات لبقائه.

ولذلك لا نجد تصريح رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو أمام الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية بالقول، قبل فترة: «الأراضي السورية لن تكون جزءاً من الأهداف الإمبريالية الروسية»، يخرج عن السياق التاريخي من الحرب التركية على روسيا الاتحادية والمحاولة الدؤوبة لشيطنة الدور الروسي في المنطقة واتهامه ببعث شوفينية روسيا العظمى، "وانتهاج سياسة إمبراطورية".. والذي يعكس حالة القلق المتنامي فيما وراء الكواليس الدولية ضد روسيا، لأنه من الواضح أن تلك الدولة التي صحت من حالة الغيبوبة الطويلة وبات ساستها يدركون مصالحها القومية الأصلية كدولة، والتي انبعثت على أساس من القيم التقليدية الروسية على مدى ألف سنة، لن تقبل ما يفرض عليها من دور مذل وهي تعمل على استعادة وضعها الطبيعي كدولة عظمى على نطاق عالمي ومواجهة الحرب الخفية التي تدور الآن بين المستثمرين من أجل الوصول إلى الموارد الطبيعية والثروات الباطنية وتحديد اتجاهات أو محاور خطوط أنابيب النفط والغاز وأسواق التصريف.

        من هنا، فإن محاولة تركيا ملء الفراغ الاستراتيجي في المنطقة بالتعاون مع اسرائيل التي وفّر لها هذا التحالف مع تركيا إمكانية الحضور على هذا الاتجاه، والدخول في هذه اللعبة الكبرى، ولعب دور القوة المتقدمة لحلف "الناتو" والغرب في مواجهة روسيا وإيران تحت عباءة ما يسمى اليوم (الحلف الإسلامي ضد الارهاب)، وهو في الحقيقة موجه ضد مصالح روسيا وإيران اللتين  لن تقبلا بأي تعاون عسكري أو اقتصادي بين الغرباء عن المنطقة، ويلحق الضرر بمصالحهما الحيوية بغية تغريب المنطقة وإبقائها تابعة للنفوذ الأمريكي والإسرائيلي.

        لذلك كان رد روسيا على تلك الحرب التركية والغربية الخفية عليها، بالحضور بقوة في سورية التي تعتبر الخندق الأول في هذه المواجهة، وكذلك تعزيز التعاون مع إيران الخصم الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، ولاسيما في بحر قزوين. أضف أنّ ذنب إيران الأكبر من وجهة نظر واشنطن أنها تعارض أي حل سلمي للقضية الفلسطينية يخدم إسرائيل ولا يرضي الشعب الفلسطيني. لذلك من مصلحة واشنطن أن تسحب البساط من تحت قدمي الإدارة الروسية وتحرمها من جني ثمار الحملة ضد الإرهاب.. وهل ثمّة من يصلح لأداء هذا الدور أفضل من تركيا.

من هنا يمكن فهم ردة الفعل الروسي على إسقاط الطائرة وكما يقول المثل العامي: "مو رمانة.. قلوب مليانة". 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.